الخميس، 1 سبتمبر 2016

محافظة إب - التراث الحضاري والجمال الطبيعي

محافظة إب

التراث الحضاري والجمال الطبيعي

تقع محافظة إب الى الجنوب من العاصمة صنعاء، وتبعد حوالى 193 كلم عنها.. تتصل من الشمال بمحافظة ذمار، ومن الغرب بأجزاء من محافظتي ذمار والحديدة، ومن الجنواب بأجزاء من محافظتي الضالع وتعز، ومن الشرق بأجزاء من اراضي محافظات ذمار والبيضاء والضالع، ويطلق عليها عاصمة اليمن السياحية لأنها من اجمل المحافضات اليمنية واكثرها اخضراراً ومناظر خلابة، وتمتلك إرثاً حضارياً ضارباً جذوره في اعماق التاريخ اليمني، ويسميها اليمنيون باللواء الاخضر، ويشكل سكانها ما نسبته 10.8٪ من سكان الجمهورية, حيث يبلغ عددهم -استناداً الى احصائيات عام 2004م- مليونين و 131 الفاً و 861  نسمة..
اما مساحتها فتقدر بحوالى 5552كم2 تتوزع في عشرين مديرية، وتعتبر مديرية القفر من اكبر مديرياتها، وتعد الزراعة النشاط الرئيسي لسكان المحافظة.. حيث تشكل محاصيلها الزراعية ما نسبته 5.6٪ من اجمالي الانتاج الزراعي في الجمهورية اليمنية..
 كما تمتلك المحافظة معالم تاريخية ابرزها مدينة «ظفار» عاصمة الحميريين ومدينة «جبلة» عاصمة الدولة الصليحية، وتتواصل الاكتشافات الاثرية فيها عاماً بعد عام في العديد من الأماكن الأثرية مثل السدة والنادرة وحبيش والعدين مما يؤهلها ان تكون منافساً فاعلاً بتراثها وآثارها لمحافظة مارب.
اضافة الى ذلك فالمحافظة تمتلك الكثير من الثروات المعدنية كالمواد المستخدمة في صناعة الاسمنت والطوب الحراري ومعدن (الزبولايت) المستخدم في صناعة المنظفات والبازلت المستخدم في صناعة حجر البناء، وكذا المعدن المستخدم في صناعة احجار الزينة..
وتتميز محافظة إب بتضاريسها الوعرة باعتبارها مرتفعات جبلية تتخللها وديان عميقة واسعة في امتدادها, ضيقة في ممراتها حادة وطويلة التي اغلبها تصب في سهل تهامة غرباً.. أما وديانها الواقعة شرقاً فتصب في خليج عدن، وتتكون تضاريسها بين سهول وأودية ومرتفعات جبلية..
ومن اشهر وديانها وادي ميتم وأودية جبال بعدان، وصهبان والسبرة ووادي عنة، ووادي زبيد ووادي بنا ووادي الدور الذي تغنى به الشعراء وورد ذكره في كتب التاريخ وهو يمر جنوب مدينة العدين، ويعتبر من اجمل الأودية..
 اما اشهر جبالها جبال يريم، وجبل بني مسلم الذي يرتفع عن سطح البحر بحوالى 3000متر غرب مدينة يريم.. ثم جبال ظفار الذي كان مقر الدولة الحميرية.. ثم جبال شخب عمار وكحلان وجبل المنار وجبل بعدان، ويوجد فيه الكثير من الحصون الشهيرة كحصن «حبّ»، وجبل حبيش ومشورة التي كانت معقل الصليحيين وبها توجد آثار قديمة، وجبل الخضراء الذي يطل على السياني من الشرق، وجبل صهبان.. ثم جبال العود التي تقع شرق مديرية الشعر وجبل الدقيق وعز والمصنعه وريدان في مديرية الشعر, وكذا جبال صباح التي تقع شرق جبل العود.
اما المرتفعات الجنوبية للمحافظة فتشمل جبال العدين واشهرها جبال بني عوض وبني مليك.. ثم جبال بلد الشهاري ومذيخرة وحمير والاشعوب، وجبل فرعد وهي سلسلة من جبال التعكر والعنسيين،و تشكل عموداً يفصل بين وادي نخلة ووادي عنّة.
ومجمل القول: فإن مناخ عاصمة اليمن السياحية بشكل عام معتدل طوال العام، وامطارها غزيرة مصحوبة بالبرودة..
حيث يبلغ المعدل السنوي لتساقط الامطار اكثر من 1000 مم على المرتفعات الجبلية الغربية والجنوبية للمحافظة عند ارتفاع 1500متر عن سطح البحر، ولذلك محافظة إب اشتهرت بالزراعة.

معالم تاريخية

تتميز محافظة إب بمعالمها الاثرية والتاريخية حيث قامت في هذه المحافظة عدة دول عبر التاريخ القديم اهمها الدولة الحميرية التي أسسها الملك الحميري ذي ريدان عام 115 قبل الميلاد بمنطقة ظفار يحصب ووادي بنا واختيرت مدينة ظفار على سفح جبل ريدان 30كلم جنوب مدينة يريم عاصمة لهذه الدولة التي استمرت 640 عاماً، والتي منها زحف الحميريون شمالاً ليضموا اليهم الدولة السبئية واقاموا دولة جديدة اسموها دولة «سبأ وذوريدان» وعاصمتها ظفار قاع الحقل التي شيدوا فيها السدود الكثيرة، وقد وصفها الشاعر بقوله:
وفي البقعة الخضراء من ارض يحصب ****  ثمانون سداً تقذف الماء سائلاً
وأهم معالم الدولة الحميرية قصر ريدان ظفار، سور وابواب مدينة يريم، وحصن المرايم، وقلعة البيني، وقلعة باب المناخ، وقلعة عمامة البنيان، وحصن ظفار بالقفر وغيرها.

جبلة معلم حضاري

كما شهد تاريخ هذه المحافظة قيام الدولة الصليحية على يد الملك علي بن محمد الصليحي، وكانت عاصمتها صنعاء، وبعد وفاته تولى السلطة ابنه المكرم بن محمد علي الصليحي، وخلال حكمه ظهرت زوجته اروى بنت احمد الصليحي تشاركه الحكم.. لتتولى الحكم بعد وفاة زوجها، واختارت مدينة جبلة التاريخية عاصمة للدولة، وحققت خلال حكمها -الذي استمر خمسين عاماً- نجاحات كبيرة واشتهرت بحكمها العادل وثبات مواقفها، ومن اهم معالم الدولة الصليحية جامع الملكة اروى وضريح الملكة وحصن تعكر، ومن اهم انجازات الملكة اروى انها قامت ببناء العديد من المآثر الاسلامية والانسانية التي مازالت آثارها قائمة حتى اليوم، ومنها بناء الجزء الشرقي من الجامع الكبير بصنعاء..
كما اوصلت مياه الشرب النقية الى منازل جبلة عبر ساقية طويلة تمتد من اعلى الجبال المطلة على المدينة، وكان يطلق عليها قديماً «مدينة النهرين» لأنها تقع وسط نهرين يجريان طوال العام.. كما اوقفت الكثير من الاراضي الزراعية للمواشي وبناء المرافق الخدمية.
وفي هذه المحافظة التي تحتضن هذا العام اعياد الوحدة المباركة ظهرت ايضاً الدولة الاسماعيلية اواخر القرن الثالث الهجري واستمرت الى القرن الخامس الهجري، وكانت مدينة مذيخرة في مديرية العدين عاصمة للدولة التي امتدت من عدن الى صنعاء.
المدينة القديمة

وتعتبر مدينة إب القديمة من المدن التاريخية الاسلامية التي يعود تاريخها الى الامير عبدالله بن قحطان عام 380 هـ .
ويقول الدكتور محمد عبدالملك العزي احد ابناء مدينة اب القديمة المعاصرين: مدينة إب ذات تاريخ حضاري عريق، وسميت بهذا الاسم نسبة لشهر «آب» اغسطس لكثرة هطول الامطار وسحر جمال الطبيعة فيها تحول لفظاً الى «إب»، وكانت قديماً تسمى «الثجة» نتيجة لهطول الامطار الغزيرة والمتواصلة عليها.. ومدينة إب القديمة يرجع تاريخها الى عهد الدولة الحميرية، وقد كانت عبارة عن قرية صغيرة لها سور، وتوجد فيها معالم اثرية مثل قصر البيضاء الحميري..
ثم ازدادت شهرة بعد القرن الرابع الهجري، وتشير كتب التاريخ الاسلامي الى ان الامير عبدالله بن قحطان الحوالي هاجمها سنة 380ه، وقد ترك فيها الصليحيون كثيراً من آثارها التي تعود الى أزمنة قديمة.
وتقع مدينة إب على السفح الغربي لجبل بعدان على ربوة مرتفعة مربعة الشكل وصفها المستشرقون بأنها فيروزة بيضاء على بساط اخضر، وتعلو على سطح البحر ب2000 متر.. تحيطها من الغرب مديرية العدين، ومن الجنوب مديرية ذي السفال، ومن الشرق مديرية النادرة، ومن الشمال مديرية يريم.. مكونة من لوحة بديعة تجمع بين الربيع في نظارة سندسها الدائم وبين روعة الفن المعماري الذي يجسد ابداع الانسان اليمني واتقانه على لوحة الطبيعة الساحرة، وقد وصفها احد الشعراء بقوله:
إب يا مشعل من الاضواء***   ومشيد للفن والشعراء
هذه إب في الربيع تجلت ***صورة للطبيعة الحسناء
لك في عالم الجمال نصيب  ***  وافر بعروسه الخضراء
نعم هذه هي إب درة المدن ونفحة التاريخ تتميز بمرتفعاتها ومنخفضاتها ومدرجاتها وسهولها وبسحر طبيعتها وجمالها ونقائها واعتدال مناخها، وانتشار خضرتها من اشجار وورود وازهار واعشاب يتلألأ الطل على خصلاتها في لوحة ابداعية رسمتها يد الخالق الذي أودع فيها الحضارة والزراعة بشكل متناغم ورائع يجسد في مجمله بساطاً مخملياً ناعماً يقصده عشاق الطبيعة من كل بقاع العالم.

معالم سياحية

ويوجد في ميدنة إب القديمة معالم اثرية كثيرة كالدكاكين الصغيرة، ومحلات المشغولات اليدوية والفضية وبقايا الحلي وغيرها -مشيراً بيده- الى ان هناك سوقاً يقع وسط المدينة ويزوره الكثير من السياح العرب والاجانب الذين يقومون بشراء التحف والهدايا والمشغولات القديمة.. وهناك كانت سواقي المياه العذبة التي ايضاً كانت تأتي من خلال سواقي مشيدة بالحجارة والقضاض من الجبال والوديان على مسافات مرتفعة لتصل الى سكان المدينة لتغذيتهم بمياه الشرب النقية، ولكن تم تخريبها -واشار الدكتور محمد بيده- وهذه البيوت المتميزة بفنها المعماري هي للمرحوم السياغي، وتلك المدرسة بجوارها.. متحدثاً باسهاب عن المعالم السياحية الجذابة بالمدينة.

الجامع الكبير

تم تشييد وبناء الجامع الكبير بالمدينة في العقد الثاني من القرن الاول للهجرة، ويقال انه من اقدم المساجد في اليمن، وهو من الجوامع التي يتميز بجمال تصميمه من حيث الشكل والسعة والحجم.
وقد سمي بالجامع العمري نسبة الى مؤسسه الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولأهمية هذا الصرح كمسجد فقد ناله كثير من العناية، والرعاية حيث تعاقبت عليه خلال العصور الاسلامية الاضافات والتجديدات واعمال الترميمات وكانت اكبر توسعة حصلت للجامع تلك التي قام بها وزير الدولة الزيادية الحسين بن سلامة.
بالاضافة الى التجديدات الاخرى التي تمت في عهد السلطان عامر بن عبدالوهاب - عصر الدولة الطاهرية عام 894 - 923، وفي عام 996ه وتحديداً آخر ايام الحكم الاول للعثمانيين قام حسن باشا باعمال تجديد اخرى، وما يثير الاعجاب ان تخطيط الجامع الكبير في إب يشبه مسجد الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- فهو عبارة عن تحفة فنية معمارية رائعة.
فالصحن التابع للجامع تحيط به أروقة اعمقها رواق القبلة الذي يتكون من مقدمة الجامع تغطيه قباب بديعة الى جانب الدعائم التي تنفرد بوجود بلاطة عمودية على جدار القبلة.. حاجز قاطع للجامع..
كما ان الجامع الذي بني على ربوة مرتفعة وسط المدينة القديمة يتميز بمداخله الثلاثة والمآذن التي تقع في الناحية الجنوبية الشرقية التي تلفت الانتباه فهي على شكل بدن مثمن تنتهي بشرفة يتوجها من الأعلى طاقة مقببة، والتي يعود تاريخ بنائها الى عصر الدولة الرسولية عام 685ه والتي مازالت تنفح برائحة الماضي الفائت والطراز المعماري الأخاذ.

تراث إبداعي

ومما يدل على ان مدينة إب ذات تاريخ عريق المدرسة الجلالية العليا التي تتميز بموقعها الفريد الذي اضفى عليها منظراً خاصاً وقد شيدها الشيخ جلال الدين محمد بن ابي بكر السيري في بداية القرن التاسع الهجري لتكون مركزاً لتدريس الفقه والعلوم الاسلامية الاخرى.
وفي المدرسة توجد مئذنة تعد من اجمل المآذن اليمنية التي تتكون من قاعدة مربعة يعلوها مضلع مطرز بزخارف هندسية بديعة مصنوعة من الآجر والجص القوي الذي كانت تشتهر به محافظة إب حينذاك ويتوج المئذنة من الاعلى قبة مضلعة شامخة شموخ التاريخ وجميلة التصميم المعماري الاصيل.
وتعتبر المدرسة الجلالية العليا اليوم من افضل اماكن الجذب للوفود السياحية الذين يرتادون المدينة لما تمتلكه من ابداع في التصميم والانشاء المعماري وبحكم موقعها في منتصف المدينة القديمة.

مدرسة المشنة

تعد مدرسة المشنة التي أمر ببنائها الامير جلال الدين النظاري منتصف القرن الثامن الهجري الرابع عشر الميلادي من المعالم الاسلامية.. التي يمكن زيارتها ومشاهدة ما تبقى من معالمها التي تشتمل على صحن مكشوف وايون للدرس كذا المحراب الذي يتألف من حنية تؤطرها اشرطة كتابية.
بالاضافة الى بيت الصلاة الذي يقع الى الشمال من صحن المدرسة وهو مربع الشكل فتح في جداره الجنوبي مدخل مستطيل الشكل عليه عقد مدبب، أما مدخل المدرسة فيفضي الى ساحة فسيحة مربعة الشكل التي تحتوي على بلاطتين بواسطة بائكة في الاعمدة، ويوجد عمودان مضلعان يعلوهما تيجان ناقوسية الشكل، التي تقوم بحمل السقف الذي هو عبارة عن مصندقات خشبية والتي تعتبر من اجمل التحف المزخرفة.

سور أبواب المدينة

وهي من ابرز المعالم الاثرية والسياحية الرئيسية الشاهدة على حضارة هذه المدينة التي كانت تحميها من الهجمات العسكرية التي كانت تهدد أمن سكان المدينة، ويعتبر سور إب القديمة من الاماكن الذي شيد حول مبانيها وكان له خمسة مداخل وابواب وهي: الباب الكبير، وباب الراكزة، وباب النصر، وباب سنبل، والباب الجديد.
وما يؤسف له ان جميع هذه الابواب اندثرت ولم يتبق منها شيء ما عدا باب الراكزة الذي مازال شاهداً على الحضارة الانسانية التي قامت في هذه المدينة التاريخية.

القصور والمباني القديمة

تزخر مدينة إب القديمة بالعديد من المباني والقصور القديمة ذات الاهمية الخاصة بأبوابها ونوافذها الخشبية ذات التصميم الفني البديع والتي تحكي بمجموعها إبداع الانسان اليمني.
وهذه القصور والمباني تعد من الاماكن التي يقصدها السياح ويرغبون بزيارتها مثل دار الحمام ودار الفرناج والدار البيضاء ودار الخان، ومن الدور التي مازالت تلفت النظر اليها دار الخان الذي بناه العثمانيون، وهو دار فائق المكانة مشيد بالحجارة، ويقال انه بني كسمسرة لخدمة المسافرين الذين كانوا يأتون ويبيتون فيها.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق